Friday, November 27, 2015

مجال الأوامر في القرآن

12/24/2014
"هذا في القرآن":
هذا التعبير شائع جداً بين المسلمين. وبعد هذه العبارة، عادةً ما تكون هناك جملة أمرية في القرآن، بغض النظر عن النص قبلها أو بعدها، يتم فصلها من سياقها وذكرها على أنها أمر مباشر من الله للمسلمين الذين يعيشون في القرن ال۱۴ الهجري. والادعاء الضمني وراء هذه الثقافة هو أن المخاطبين في الجمل الأمرية بالقرآن هم المسلمون في كل زمان ومكان ليوم القيامة. وفي هذا المقال، فإننا نعترض على هذا الادعاء ونخلص إلى أنه وبشكل افتراضي أن المعنيين بهذه الأوامر في القرآن هم المسلمون حول النبي، وإذا أراد أحد أن يوسع مجال هذه الأوامر لتشمل المسلمين في عصرنا هذا، فإنه في حاجة لتقديم حجة قوية، ولكن الاقتباس للأمر من القرآن وحده ليس كافياً. ثم إننا نعيد تحديد دور القرآن في ممارسة الشعائر الدينية بالإسلام، وللاستفادة من هذه الرؤية الجديدة فإننا نعيد النظر في الشريعة وبعض الأحكام المثيرة للجدل مثل الرق في القرآن.

س۱. أمثلة متناقضة

إذا وضعنا في الاعتبار السياق (الآيات قبل وبعد الجملة) للعديد من الأوامر في القرآن ، يمكن أن نفهم بسهولة أن الجمهور المستهدف لمثل هذه الأوامر هم مجموعة معينة من المسلمين المحيطين بالنبي. ولكن لأن هذا الرأي يختلف كثيراً عن الثقافة الدينية الحالية - وبالتالي المثيرة للجدل - هنا نثبت بالدليل التناقض و نبين ان هناك حالات  بالنظر من خلال نص الأمر فقط يمكن أن نرى بسهولة أن استنباطه ليشمل المسلمين في عصرنا أمر مستحيل.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْ‌آنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ‌ حَلِيمٌ ﴿۵:١٠١
يمكننا أن نرى هنا بوضوح أن المخاطبين في هذا الأمر هم المسلمون الذين كانوا يعيشون أثناء نزول القرآن.

ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّ‌سُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ‌ ۚ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ‌ رَّ‌حِيمٌ ﴿۵۸:١٢
المعنيون هنا هم المسلمون القادرون على الهمس في أذن النبي، وبالتالي إجراء حديث خاص معه.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ‌ نَاظِرِ‌ينَ إِنَاهُ وَلَـٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُ‌وا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّـهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَ‌اءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ‌ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَ‌سُولَ اللَّـهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمًا ﴿۳۳:٥٣
هنا يجب أن يكون المعنيون قادرين على الدخول جسدياً إلى بيت النبي، وبالتالي فإن المخاطبين مأمورون بأن يستأذنوا أولاً.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْ‌فَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُ‌وا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ‌ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُ‌ونَ ﴿۴۹:٢
المخاطبون من المسلمين هنا هم القادرون على إجراء محادثة شفوية مع النبي.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ﴿۸:٢٠
الجمهور هنا هم المسلمون الذين يشاركون في حوار حي مع النبي.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُ‌وا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِ‌جُونَ الرَّ‌سُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ رَ‌بِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَ‌جْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْ‌ضَاتِي ۚ تُسِرُّ‌ونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴿۶۰:١
تصف الآية هنا أهل مكة بأنهم أعداء للجمهور المستهدف، وتسرد الجرائم التي ارتكبها المكيون ضدهم.

س۲. إذاً، ما هو الغرض من القرآن؟

 لقد أظهرت الأمثلة المتناقضة في الجزء السابق أن وجهة النظر التقليدية بأن "القرآن كمنافس للوصايا العشر" غير صحيح. والسؤال الذي سيثار هنا هو أنه إذا كان القرآن ليس إلا مجموعة من الأوامر الخالدة، إذاً ما هو دور القرآن في الإسلام؟ رداً على ذلك ينبغي علينا أولاً أن نذكر أن الأوامر الحتمية بالقرآن تشكل جزء صغير فقط من القرآن؛ أما أكثر نصوص القرآن فهي مخصصة لتوضح العلاقة بين الخالق والإنسان، وتسلط الضوء على نماذج من خيرة البشر، كما تذكر بيوم القيامة، وتلقي نظرة عامة على المجتمعات الدينية الماضية وأيضاً أخطائهم. ولا يمكننا أن نلوم أحداً سوى أنفسنا حين نتخلي عن هذه الأكثرية، ونركز فقط على الأقلية الصغيرة من الأوامر، ولا تقلل أخطائنا شيئاً من قيمة القرآن. فالمشكلة هي فهمنا الخاطئ للدين: وإننا نبحث في الدين عن الأوامر المباشرة بصيغة "إفعل" و "لا تفعل"، وإذا كان الكتاب لا يحتوي عليهما فأننا لن ندرك أن الكتاب ذو "قيمة"!
من ناحية أخرى عندما نفهم أننا لسنا الجمهور المستهدف من الأوامر في القرآن ، فهذا لا يعني أنه لا يمكننا أن نستفيد من مثل هذه الأوامر المدرجة في القرآن. ويمكن للمسلم في القرن ال۱۴ الهجري أن يحلل عقلياً ما وراء هذه الأوامر ويرى كيف يمكن له أن يطبق روح مثل هذه الأوامر في حياته اليومية. على سبيل المثال، وعلى غرار الكتب السماوية السابقة، يوصي القرآن ايضاً بالصيام. ومع هذه النصيحة هناك جنباً إلى جنب أيضاً بعض التفاصيل التي تشرح الوسيلة الجيدة للمسلمين المحيطين بالنبي لتنفيذ هذا الأمر. ويمكن للمسلم في القرن ال۱۴ الهجري أن يستنتج أن أداء الصيام مفيد له أيضاً. ولكن هذا لا يستوجب أن يتم نسخ تفاصيل كيفية أداء ذلك بالضبط بنفس التفاصيل التي قيلت للمسلمين المحيطين بالنبي. فعلى سبيل المثال يحدد القرآن مدة الصيام من الفجر حتى غروب الشمس، والتي تعتبر مدة معقولة للأشخاص الذين يعيشون في شبه الجزيرة العربية. ولكن هذه المدة في بلدان أوروبا الشمالية قد تكون أكثر من ۲۰-۲۲ ساعة، مما يجعل تنفيذ مثل هذه التفاصيل عملياً أمراً مستحيلاً.

س۳. لا شيء يترك في الشريعة!ا

 من وجهة النظر التقليدية، يعتبر الدين هو ما يعادل الشريعة: فلقد جائنا الدين ليقول لنا بالضبط ما يجب علينا أن نفعله وما لا يجب علينا أن نفعله؛ وإذا كنا سنؤدي جميع هذه التعليمات بكل التفاصيل بالضبط إذاً فإننا نصعد إلى السماء! وما يتم إهماله تماماً هو أنه كيف يفترض لمثل هذه التفاصيل أن تساعد الإنسان أن ينمو روحياً لكي يستحق في النهاية الصعود للسماء. وتم وضع ۹۹٪ من الثقافة الدينية الحالية حول مثل هذه التفاصيل، وإذا شككت النظرية في أهمية هذه التفاصيل فيبدو وكأنها تشكك في الدين نفسه. ومع ذلك، فإن هذه الثقافة الدينية لا تتوافق مع القرآن، لأن معظم القرآن ليس له علاقة بمثل هذه التفاصيل. وعلى العكس من ذلك، يقترح القرآن الكريم على المسلمين الذين عاصروا نزول القرآن تجنب الأسئلة التي لا داعي لها عن التفاصيل (۵:۱۰۱). ولا يؤمن عامة الناس أيضاً في أعماق قلوبهم بأهمية مثل هذه التفاصيل، و يحكمون على الناس بناءً على الفرد وكذلك الآثار الاجتماعية المترتبة على أعمالهم، وليس بناءً على حجم اللحية الخاصة بهم على سبيل المثال.
لا تزال الشريعة موجودة في وجهة النظر في هذا المقال بالنسبة للقرآن ولكنها متروكة لنا لمعرفة تفاصيلها، والتي تعتمد بشكل كبير على ظروف الزمان والمكان والثقافة. وهذا يرجع لنا لنقرر ما هي الطريقة المثلى لأداء الصدقات في المنطقة المجاورة لنا. وهذا يرجع لنا لنقرر ما هو أصح نظام اقتصادي في عصرنا. ويتطلب معرفة هذه الطريقة المثلى للمعيشة والعلوم، وفهم احتياجات الإنسان في البيئة الاجتماعية، وأيضاً مواصفات الإنسان المثالي الذي يفترض أن ينمو في هذا المجتمع. وهذا الاهتمام الذي من شأنه أن يظهر هنا بشكل طبيعي هو أنه مع هذا النهج قد يصل المسلم إلى استنتاج مفاده أنه على سبيل المثال حتى الصلاة لم تعد ضرورية في عصرنا. ورداً على ذلك ينبغي لنا أولاً أن نذكر أنه لا يمكن فرض الخلاص على الناس. فحتى الآن كثير من المسلمين لا يؤدون الصلاة التي تعتبر إلزامية في الثقافة الدينية الحالية، أو إذا فعلوا ذلك، فهم يؤدونها كرهاً لدرجة أنها تفتقد للغرض الأصلي من الصلاة.
وإذا أصبحت وجهة نظر هذا المقال شائعة فإن هذه المجموعة من المسلمين ربما يكونوا هم الذين يتجاهلون مئات التأكيدات في القرآن على إقامة الصلاة. وفي النهاية ، فإن المسلمين الذين يتبعون توصيات القرآن ويذكرون الله مراراً وتكراراً طوال اليوم، هم الذين يستفيدون عملياً من هذا التذكر.

س۴. لمحة عامة عن الشريعة القديمة بمنظور جديد

في هذا الجزء نقوم بلمحة سريعة على الموضوعات المثيرة للجدل في فهم الشريعة الحالي السائد، ونبين أن الأحكام الغير عقلانية القديمة المرتبطة بالشريعة لا يمكن أن تنبثق بهذا المنظور الجديد في القرآن.

الرق: لقد نزل القرآن في الوقت الذي كانت فيه العبودية هي الدعامة الرئيسية للنظام الاقتصادي في شبه الجزيرة العربية. فكان لا بد أن تتضمن الأحكام المرشحة لشعوب الجزيرة العربية بعض التفاصيل المتعلقة بالعبودية. وفي وجهة النظر الجديدة للقرآن، فإن وجود مثل هذه التفاصيل ليس دليلاً على الإطلاق على دعم القرآن للعبودية. على العكس من ذلك، فمع التدبر في الأوامر التي تعرض تحرير العبيد باعتباره تكفيراً عن الخطايا التي ارتكبت، يمكننا أن نفهم أن القصد في القرآن هو إنهاء الرق على المدى البعيد.

الحرب مع الکفار: الحقيقة بأن القرآن يأمر أهل المدينة المنورة لمحاربة أهل مكة الكفار، ليس مبرراً على الإطلاق لبدء الحرب في القرن ال۱۴ الهجري بحجة أنهم غير مؤمنين ! بل على العكس من ذلك من خلال النظر في سياق مثل هذه الآيات يمكننا أن نفهم أن أسباب الحرب لم تكن لعمل شئ بنظام عقيدة أهل مكة. وأيضاً مع وجهة النظر الجديدة للقرآن بأن حروب التوسع في الأراضي التي شنها المسلمون على مر التاريخ بحجة نشر الإسلام، يمكن إدانتها.

حقوق النساء: الحقيقة بأنه في النظام الاجتماعي والاقتصادي لشبه الجزيرة العربية كان معقولاً أن ترث النساء نصف ما يرث الرجال، لا يوجد سبب حيث أنه في القرن ال۱۴ الهجري يكون النساء والرجال متساوين في المسؤولة عن نفقات الأسرة بأن تظل مثل هذه الأحكام منطقية.

الحديث: يوصي القرآن المسلمين المحيطين بالنبي بأن يتبعوه، وهو أمر منطقي. ولكن ليس هناك مبرر بأن يمتد هذا الأمر للمسلمين في عصرنا، حيث لم يعد النبي موجوداً. فالثقافة الدينية الحالية، أولاً تنتهج الاستكمال ليشملنا الأمر، ثم من أجل حل هذا التناقض حيث لا يوجد بيننا نبي لاتباعه، تم اختراع الحديث باعتباره الحل: ومع استكشاف الأحاديث (أو القصص) "المنسوبة" للنبي فإننا "نفترض" ما قد يوصى به النبي لنفعله إذا كان يعيش بيننا في القرن ال۱۴ الهجري!!

الترجمة من قبل: سام لویس

No comments:

Post a Comment