Friday, November 27, 2015

الانتقادات الموجهة إلى الإسلام البسيط

11/29/2013
لكي يرفض المرء الإسلام البسيط ، يجب عليه أن يبين أن الإيمان بالمبادئ الثلاثة وهي الله، ويوم القيامة، والقرآن تتطلب من المسلم أن يؤمن أيضاً بالحديث والنهج العملي لتخريج الحديث لتحديد الصواب والخطأ. وإننا هنا لنسرد الحجج القائمة بالقرآن والتي يستخدمها العلماء و ونحن نحقق فيها بالتفصيل.

إقرأ المقالات الأصلية هنا.

وبإيجاز، فإن الفرق بين الإسلام البسيط وفهم العلماء للإسلام يأتي من هذه النقاط:

وحدة المعجزة في القرآن الكريم في السورة وليست في الآية. وبالتالي فإن الآية لا ينبغي أن تفسر بمعزل عن سياقها (السورة والآيات المحيطة بها) وإلا ستتسبب في سوء الفهم. ويعتمد العلماء على التفسير بمعزل عن السياق لينسبوا فهمهم للقرآن.
التفسير المعروض لكلمة ما يجب أن يكون متسقاً مع الإستخدامات الأخرى لهذه الكلمة في القرآن. ولكي يجعلوا الآية تتوافق مع نهج الداعية في خطبته، فإنهم في بعض الأحيان يفسرون كلمة رئيسية على نحو يتنافى مع الطريقة التي يتم بها استخدام هذه الكلمة في باقي القرآن.
عادة يعمم العلماء كل جملة أمرية مباشرة في القرآن إلى قضايا الأوامر لجميع المسلمين في جميع الأزمنة. ويبين مقال المجال أن هذا الرأي لا يتسق مع القرآن. فإذا أعطيت الأوامر لبعض الناس المعينين فإن توسيع الجمهور المستهدف ليشمل المسلمين عبر التاريخ كله، يلزم تقديم حجة قوية.
ينبغي عدم الخلط بين شيوخ الدين (العلماء) والباحثين الدينين. فإن القاعدة السابقة هي حججهم بالحديث، والتي لا يمكن التحقق منه عملياً من قبل المسلمين العاديين بجدول زمني محدود ، بينما أن القاعدة الأخيرة هي حججهم بالقرآن حيث يمكن لكل مسلم أن يتحقق منه، ومن ثم قبولها أو رفضها. وبالتالي فإن هذا الأخير لا يسبب العمى الذي يلي العلاقة بين المسلمين والباحثين.
لم يذكر الحديث أبداً في القرآن الكريم. ويبين التحليل التالي أنه على العكس من إدعاءات الباحث أنه غير مذكور ضمنياً أيضاً. والسؤال للمؤمنين بالحديث هو أنه إذا كان الحديث ونهج إخراج الحديث يعتبر ركن هام من أركان الإسلام، ألا ينبغي أن يذكر عدد قليل منها صريحة في القرآن بحيث لا يجب على العلماء أن يحاولوا يائسين بيع مثل هذه التفسيرات البعيدة والغير متناسقة.

۱: الحديث لتفسير القرآن

هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ‌ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ۗ وَالرَّ‌اسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَ‌بِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ‌ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿۳:٧

الآية تقول أن هناك بعض الآيات المتشابهه في القرآن والتي ليس كل فرد يفهم تفسيرها. ويقول العلماء أنه ينبغي أن
تكون هناك طريقة يمكن بها أن ينقل الذين يفهمونها للذين لا يفهمونها. لذلك، يجب أن يكون هناك شيء ما متعلق بالقرآن والذي يفسر هذه الآيات الغير محددة لكي يتسنى للآخرين أيضاً فهمها مثلما يعلمه الله (وربما الراسخون في العلم) يفهمونها. عندئذ يقدم العلماء الحديث (الأقوال المنسوبة إلى شخصيات دينية) كهذا الارتباط المفقود، وبالتالي يضعون في الاعتبار تخريج الأحاديث التي نقلت على مدى التاريخ كجزء من الشعائر الدينية التي أيدها القرآن.
رداً على ذلك، ينبغي أن نقول أن الآيات المتشابهه ليست هي نقطة الضعف في القرآن بحيث أنها تتطلب منا الحيل لتصحيحها. كما يقول النص بوضوح أن وجود هذه الآيات المتشابهه يقصد به تمييز الذين في قلوبهم مرض، من المؤمنين حقاً. وفي الواقع، ليس من المفترض أن يكون القرآن هداية للجميع وكما يقدم القرآن نفسه في بدايته، بأنه هدى للمتقيين.

ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَ‌يْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿۲:٢

ليست هناك نقطة في الآية يذكر فيها أن الذين لا يعلمون التفسير يجب عليهم الرجوع إلى الذين يعلمون ذلك، وبالتالي لا حاجة للبحث عن تخريج الحديث تنفيذاً للإشارة المفترضة.
وفي الواقع، يمكن للمرء أن يفهم من هذه الآية أن المؤمن العادي لا ينبغي عليه أن يفهم القرآن كله. لأن فهم القرآن يتطلب أحياناً قلباً نقياً والذي لا يمكن الحصول عليه بالمعرفة. ويكون رد فعل المؤمن عندما يواجه الآيات التي لا يفهمها جيداً هو أن يقول ذلك " آمنا به ، كل من عند ربنا". بدلاً من الرجوع بشدة إلى الشيوخ للبحث عن تفسير. وليس هناك خطأ بالنسبة للمؤمن المعترف بأنه حالياً لا يفهم تماماً جزء من القرآن. والأمل هو أنه من خلال قراءة القرآن باستمرار وتنقية القلب وكذلك الرؤية بعد تطبيق توصياته، وفي كل مرة يقرأ المؤمن القرآن يفهمه بشكل أفضل وأفضل.

۲: الحديث لشرح القرآن

بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ‌ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ‌ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُ‌ونَ ﴿۱۶:٤٤

 في هذه الآية الفعل العربي "تبین" يفهم بمعنى "توضح " من قبل الكثير من العلماء. ومع هذا الفهم، فإن هذه الآية تعني أن النبي أيضاً عليه واجب تفسير الآيات للناس وأن الآيات نفسها وحدها لا تكفي. وهذا الفهم كله قائم على تفسير كلمة "توضح " من الفعل العربي "تبین". ومع ذلك، تبدو هذه الترجمة غير متوافقة مع الاستخدامات الأخرى للفعل في القرآن الكريم. ومن خلال النظر في الاستخدامات الأخرى للكلمة في القرآن يبدو أن كلمة "تبين" من المفترض ان تعني العكس من كلمة " تَكْتُمُ" وهي الأقرب إلى المعنى الحقيقي للفعل. ومع هذه الترجمة، تتحدث الآية عن تلاوة محمد لللآيات التي نزلت عليه للمؤمنين.
على سبيل المثال، الآية 187 من سورة آل عمران تقول: " وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ..." والآية 15 من سورة المائدة تقول: " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَ‌سُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرً‌ا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ...". هنا أيضاً يتم استخدام الفعل مصدر إهتمامنا في النقيض من "يخفي"، والذي يشير إلى الترجمة " يكشف" عنه. وفي الآية 242 من سورة البقرة تقول: "كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ". وهنا الفعل " يُبَيِّنُ" يكون من الله ولا يشتمل على مشاركة النبي.
النقطة الأخرى الجديرة بالذكر هي أن المعنيين في هذه الآية هم "الناس"، وعادة يرى العلماء أن كلمة "الناس" بالعربية تشير إلى الناس بشكل عام، وبالتالي فإن المعنيين في  الآية ينبغي أن يكونوا الناس عبر التاريخ. ومع ذلك، يبدو أن هناك حالات في القرآن الكريم تستخدم فيها كلمة "الناس" للإشارة فقط إلى أناس من مكان معين ولا يمكن تعميمها على الناس في جميع الأزمنة. فعلى سبيل المثال، في الآية أدناه، فإن الحوار لا يمكن أن يكون بين أناس من جميع الأزمنة:

فَجُمِعَ السَّحَرَ‌ةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴿۲۶:٣٨﴾ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ ﴿۲۶:٣٩

وأيضاً في الآية أدناه، فإن معجزة بعث هذا النبي لا يمكن التحقق منها من قبل الناس في جميع الأزمنة:

أَوْ كَالَّذِي مَرَّ‌ عَلَىٰ قَرْ‌يَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُ‌وشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ‌ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَ‌ابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ‌ إِلَىٰ حِمَارِ‌كَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ‌ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‌ ﴿۲:٢٥٩

۳: الحديث لوصف الأسوة

لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَ‌سُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْ‌جُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ‌ وَذَكَرَ‌ اللَّـهَ كَثِيرً‌ا ﴿۳۳:٢١

يقول العلماء أن المرء ينبغي عليه أيضاً أن يتخذ النبي كأسوة بعد مماته. وبالتالي، يجب أن تكون هناك وسيلة لنقل أسلوب حياته للمسلمين الذين يولدون بعد قرون لكي يمكنهم أيضاً أن يتخذوا النبي كأسوة. ومن هنا يقدم العلماء الحديث وفقه الحديث كحل لهذه المشكلة.
لكي تكون قادراً على توظيف هذا الطرح يجب على المرء أولاً أن يبين أن كلمة "أنتم" في الآية تشير إلى جميع المؤمنين عبر التاريخ. ومع ذلك، توضح الحقائق خلاف ذلك. فعلى سبيل المثال، إذا لم نفصل هذه الآية من السياق وننظر إلى الآية التالية:

يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَ‌ابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ﴿۳۳:٢٠﴾ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَ‌سُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْ‌جُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ‌ وَذَكَرَ‌ اللَّـهَ كَثِيرً‌ا ﴿۳۳:٢١

فسنرى أن كلمة "أنتم" تشير إلى المسلمين الذين كانوا بقاتلون مع النبي في غزوة الأحزاب.
فإذا نظرنا إلى الاستخدامات الأخرى لمصطلح "أسوة حسنة" في القرآن الكريم، نرى أن القرآن الكريم يعتبر إبراهيم والذين معه أيضاً  أسوة حسنة للمسلمين في عهد محمد.

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَ‌اهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَ‌آءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ كَفَرْ‌نَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَ‌اهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَ‌نَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّ‌بَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ‌ ﴿۶۰:٤

هل هذا يعني أن هناك علم الحديث في عهد محمد وتم جمع الأحاديث المنسوبة إلى إبراهيم والذين معه  وتخريجها؟ هل هذا يعني أننا في هذا العصر يجب علينا أيضاً جمع وتخريج الأحاديث المنسوبة إلى إبراهيم؟ الجواب يكون لا. في هذه الآية، يفسر القرآن بوضوح أن الاشارة هنا إلى سلوك إبراهيم والذين معه ويطالب المؤمنين بالمدينة المنورة باتخاذ هذا السلوك الخاص كأسوة. والآن، إذا ألقينا نظرة أخرى على استخدام مصطلح "أسوة حسنة" لمحمد، نجد أن السورة عن الناس الذين يبحثون عن ذرائع للهروب من غزوة الأحزاب والقرآن الكريم يأمرهم أن يتخذوا النبي كأسوة حسنة وعلى نحو مماثل لا تزال قائمة بالنسبة له.

۴: الحديث للتقاضي

إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَ‌اةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ‌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّ‌بَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ‌ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّـهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُ‌وا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُ‌ونَ ﴿۵:٤٤
تذكر هذه الآية أن الأنبياء حكموا بالتوراة، وكذلك فعل الربانيون والأحبار. ويترجم العلماء كلمة "الأحبار" ب "العلماء" ثم يقولون أنه بالإضافة إلى الأنبياء، يوجد الشيوخ الذين يطلق عليهم الربانيين والعلماء والذين يرجع إليهم الناس للحكم بينهم. وبعد ذلك يستنتجوا أن القرآن يوافق على مكانة العلماء ويشير إلى ذلك بشكل إيجابي. وهذه الحجج تثير تساؤل حول محاولة نظرية الإسلام البسيط في القضاء على مكانة العلماء في ممارسة الشعائر الدينية.
رداً على ذلك، ينبغي علينا أن نذكر أولاً أن القرآن لا يستخدم مصطلح العالم واستبدال "عالم" بمصطلح "الأحبار" يبدو غريبا. ثانيا، كما يؤكد النص أن الربانيين والأحبار كانوا يحكمون استناداً الى التَّوْرَاةَ وليس للأحاديث المنسوبة إلى الأنبياء. وفي الواقع، فإن هذه الآية تستحسن نظرية الإسلام البسيط لأن الربانيون في الزمن الذي ليس به أنبياء كانوا يرجعون إلى الكتاب وليس هناك ذكر لفقه النماذج والأحاديث الباقية. وفي الواقع فإن المصطلح الحديث للربانيين والأحبار سيكون "الباحثون الدينيون" وليس "العالم" أو "الشيخ" حيث أن الربانيين (أو الباحثون الدينيون في المصطلحات الحديثة) يمكنهم أن يفسروا للناس العاديين أنه كيف وبأي جزء من الكتاب استنتجوا أحكامهم، ويمكن لكل مؤمن عادي أن يسمع عن حجتهم، ويتحقق منها بالكتاب، وأخيراً يقبلها أو يرفضها. وهذا على عكس طريقة الشيوخ (العلماء) والتي يبنوا عليها رأيهم إستناداً إلى كومة من الأحاديث التي لا يمكن الاعتماد عليها ، والخارجة عن السياق والنماذج الآتية عبر التاريخ، حيث التحقق منها يقع خارج ميزانية الوقت المتاح للمؤمن المنتظم وليس لديه أي خيار سوى الاعتماد الأعمى على الحكم النهائي للعالم. وفي الواقع، ما يميز بين الباحثين الدينين والعلماء هو التعقيد الذي تتسم به مصادر الحجج: ففي الأول يكون الكتاب وفي الأخير هو كومة الأحاديث والطريقة المعقدة لفقه الحديث.

۵: الحديث كالوحي الإلهي

وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿۵۳:٣﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴿۵۳:٤

يقول العلماء من خلال هذه الآية أنه حتى الأحاديث اليومية للنبي هي بمثابة أيضاً وحي. وبالتالي يجب علينا أن نأخذ الأحاديث اليومية للنبي بالتوازي مع القرآن. ولذلك، بقدر استخدام المسلمين القرآن كمرجع للصواب والخطأ، يجب أن يستخدموا الأحاديث المنسوبة إلى النبي أيضاً. ويبرر هذا الرأي الثقافة السائدة للإسلام والقائمة على الحديث وكذلك الأساليب المعقدة لفقه الحديث. ورداً على ذلك، ينبغي علينا أن نقول أن هذا الاستنتاج يستند كلية على فرضية أن "هو" في  قوله "ان هو الا وحي يوحى" تشير إلى المحادثات اليومية للنبي. فإذا نظرنا إلى سياق الآية في هذه السورة المكية (بمعني أنها نزلت في بداية الإسلام وكان لمحمد قليل من الأتباع)، فإننا نرى أن السورة تتحدث عن الرسالة في شكلها العام (ربما في الأيام الأولى للدعوة وأن البعض أصيب بالحيرة من سماع إدعاء محمد وزعموا أنه قد ضل.)

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ﴿١﴾ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ﴿٢﴾ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿٣﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴿٤﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ﴿٥﴾ ذُو مِرَّ‌ةٍ فَاسْتَوَىٰ ﴿٦﴾ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ﴿٧﴾ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ﴿٨﴾ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ﴿٩﴾ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ﴿١٠﴾ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَ‌أَىٰ ﴿١١﴾ أَفَتُمَارُ‌ونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَ‌ىٰ ﴿١٢﴾ وَلَقَدْ رَ‌آهُ نَزْلَةً أُخْرَ‌ىٰ ﴿١٣

هذا التفسير يتسق مع الآيات الأخيرة من هذه السورة، حيث يذكر محمداً (نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَىٰ):

هَـٰذَا نَذِيرٌ‌ مِّنَ النُّذُرِ‌ الْأُولَىٰ ﴿٥٦﴾ أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ﴿٥٧﴾ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّـهِ كَاشِفَةٌ ﴿٥٨﴾ أَفَمِنْ هَـٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴿٥٩﴾ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴿٦٠﴾ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ﴿٦١﴾ فَاسْجُدُوا لِلَّـهِ وَاعْبُدُوا ۩ ﴿٦٢

يجب أن يبين العلماء أولاً  أن "هو" في "إن هو الا وحي يوحى" لا تشير إلى القرآن فقط بل تشمل أيضاً جميع الكلمات التي نطق بها النبي في حياته. ومن ثم ينبغي عليهم أن يبرروا التناقض بين القرآن والادعاء بأن كل الكلمات التي نطق بها النبي إنما هي وحياً يوحى: فعلى سبيل المثال، يعتبر القرآن الوحي لمحمد مشابه للوحي للأنبياء الآخرين.

إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَ‌اهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُ‌ونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورً‌ا ﴿۴:١٦٣

من ناحية أخرى، القبول بأن كل الكلمات التي نطق بها الأنبياء السابقون كانت قائمة على الوحي لا يتسق مع القرآن. فعلى سبيل المثال ، من الصعب حقاً أن نقبل بأن المحادثة بين موسى وهارون كانت وفقاً للوحي:

قَالَ يَا هَارُ‌ونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَ‌أَيْتَهُمْ ضَلُّوا ﴿۲۰:٩٢﴾ أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِ‌ي ﴿۲۰:٩٣﴾ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَ‌أْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّ‌قْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ وَلَمْ تَرْ‌قُبْ قَوْلِي ﴿۲۰:٩٤

۶: الحديث مفتاح التسليم التام

فَلَا وَرَ‌بِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ‌ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَ‌جًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿۴:٦٥

 يفهم العلماء من هذه الآية أن المؤمن الجيد هو الشخص الذي لا يشعر بالانزعاج من أحكام النبي. وبالتالي، إذا لم يقبل شخص ما بالأحاديث المنسوبة إلى النبي كركن في ممارسة الشعائر الدينية، عندئذ فإنه ليس بمؤمن حقيقي وفقاً للقرآن. ورداً على ذلك، علينا أولاً أن نذكر أن هذه الآية هي حول قبول الأحكام التي يصدرها النبي كالقاضي في نزاع قد أحضر إليه. وهذا يختلف تماماً مع فقه الأحاديث ووضع علامات التنصيص للأقوال المنسوبة للنبي بعد أكثر من ألف سنة أي بما يعادل معجزة القرآن.
وأيضا، إذا لم نفصل هذه الآية من السياق وننظر في الآيات التي قبلها أيضاً، فإننا نرى أن المخاطبين في الآية هم الناس الذين كانوا موجودين في زمن محمد وأمام عينيه "جَاؤُوكَ " طالبيين حكمه:

وَمَا أَرْ‌سَلْنَا مِن رَّ‌سُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُ‌وا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ‌ لَهُمُ الرَّ‌سُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّ‌حِيمًا ﴿۴:٦٤﴾ فَلَا وَرَ‌بِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ‌ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَ‌جًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿۴:٦٥

ولنشر تطبيق هذه الآية واستخدامها للأمة في القرون المقبلة، فإن المرء  في حاجة إلى حجة قوية جداً. وعليك بالرجوع إلى مقال المجال لمزيد من النقاش.

۷: الحديث للرجوع إلى النبي

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّ‌سُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ‌ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُ‌دُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّ‌سُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‌ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ‌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴿۴:٥٩

ويقول العلماء أن الأوامر في الآية تعني الرجوع إلى الله والرسول في وقت النزاع والطريقة الوحيدة للقيام بذلك عند وفاة النبي هي الرجوع إلى الأحاديث المنسوبة إليه.
فإذا لم نفصل الآية من السياق، فإننا نلاحظ العديد من الأدلة بأن المخاطبين في هذه الآيات هم المؤمنون في عهد محمد وليس كل المسلمين في التاريخ كله. فعلى سبيل المثال، تصور الآية أدناه النبي يراقب الناس ("أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ...")

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّ‌سُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ‌ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُ‌دُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّ‌سُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‌ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ‌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴿۴:٥٩﴾ أَلَمْ تَرَ‌ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِ‌يدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُ‌وا أَن يَكْفُرُ‌وا بِهِ وَيُرِ‌يدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿۴:٦٠

أولاً يفترض العلماء أن كل ما أمر به المسلمون حول محمد يجب أن يمتد ليشمل جميع المسلمين عبر التاريخ. (يبين مقال المجال أن هذا الرأي يتناقض مع القرآن). ثم لتوضيح هذا التناقض في هذه الفرضية مع الآيات بأن الأمر (فَرُدُّوهُ) إلى الرسول، فإنهم يفسرون أن القصد في القرآن هو أن (فَرُدُّوهُ) تستمر من خلال الحديث. ولم يذكر مثل هذا التفسير البعيد صراحة في القرآن الكريم. والسؤال هنا هو أنه إذا كان الحديث وطريقة تخريجها لها مثل هذ المكانة الهامة في الممارسة الإسلامية، ألا ينبغي أن نجد على الأقل ذكر واحد صريح من ذلك لكي لا يضطر العلماء أن يتعلقوا يائسين بمثل هذه التفسيرات البعيدة لتبرير طريقتهم.

۸: الحديث لطاعة النبي

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ﴿۸:٢٠

يقول العلماء أن القرآن مليء بعبارات مثل "أطيعوا الله ورسوله"، فإذا لم نستخدم الحديث في ممارسة الشعائر الدينية، إذاً ما معنى التأكيد الكثير جداً على طاعة محمد من قبل المسلم الذي يعيش بعد وفاة محمد بقرون ؟
رداً على ذلك ينبغي أن نقول أنه من الصعب للغاية ربط الفعل "يطيع" في "أطيعوا الله ورسوله" إلى تطبيق الأحاديث المشكوك فيها والتي تنسب إلى الحوارات بين محمد وبعض الناس المعينين ممن حوله عن حالة معينة خاصة بهم. وعلاوة على ذلك، هناك بعض الأدلة على أن المخاطبين في مثل هذه الآيات هم في الواقع المسلمين حول محمد (وهو ما يجعل الحس كاملاً). على سبيل المثال، في الآية التالية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ﴿۸:٢٠

المؤمنون الذين تخاطبهم الآية يسمعون كلام محمد، مما يدل على أنه حوار حي، ومن الجدير بالذكر أن القرآن أيضاً ملئ بالأوامر التي خاطبت المؤمنين الذين عاشوا قبل القرآن بعصور مثل الأمر بذبح بقرة لأتباع موسى، هل هذا يعني أن جميع المؤمنين عبر التاريخ يجب عليهم أيضاً أن يذبحوا الأبقار؟ لا. ألا يستطيع كل المؤمنين عبر التاريخ أن يتعلموا من قصة ذبح البقرة وتحسين فهمهم للدين؟ بلى. وبالتالي فإن وجود أوامر محلية مؤقتة في القرآن ليس به تناقض مع الحقيقة بأن القرآن هو هُدًى للمؤمنين في كل العصور. ارجع إلى مقال المجال للمزيد من البحث حول هذا الموضوع.

۹: الحديث لاتباع النبي

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ‌ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ‌ رَّ‌حِيمٌ ﴿۳:٣١

وعلى غرار حالة الطاعة، يعتقد العلماء أن الفعل "يتبع" يشير أيضاً إلى المسلمين في التاريخ كله، والطريقة الوحيدة لاتباع محمد في عصرنا وهو ميت هو البحث في الأحاديث التي تنسب إليه. مثل النقطة التي وضعناها عن العلاقة بين الطاعة والحديث، وهنا أيضاً توجد أدلة على أن المخاطبين في هذه الآيات هم الناس الذين كانوا موجودين في وقت نزول الوحي. وعلى سبيل المثال، هذه الآية تبدأ بكلمة "قل" والتي تدل على المحادثة الحية.

۱۰: الحديث لتزكية المؤمنين من قبل النبي

  لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَ‌سُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿۳:١٦٤

يقول العلماء بخصوص هذه الآية أن النبي بالإضافة إلى تلاوة الآيات للمؤمنين فقد أرسل أيضاً بمهمة تزكيتهم وتعليمهم. فإذا كان المسلمون من المفترض أن يتلقوا النص القرآني من محمد فقط، فمن ثم ماذا يعني "وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" هنا؟ وهل الأجيال التالية محرومون من هذه التزكية وهذا التعليم من قبل النبي؟ ورداً على ذلك، وعلى غرار قضية الطاعة والاتباع، ينبغي للمرء أن يبين أولاً أن المخاطبين في الآية يخرجون عن نطاق المؤمنين حول النبي. فعلى سبيل المثال، في هذه الآية يتلو النبي الآيات للمؤمنين، والتي تدل على محادثة حية حيث المخاطبين هم في نفس الزمان والمكان مع محمد. ووفقاً للنص، تذكر الآية مهمة تزكية وتعليم المؤمنين حول النبي الذي يوحى إليه القرآن. أتمنى أيضاً لو أنني عشت في زمن محمد في الجزيرة العربية لكي أستطيع أيضاً أن أستفيد من التزكية والتعليم على يد محمد. وأود أيضاً أن ألتقي محمد شخصياً. هل هذا الحلم ينبغي أن يقودني إلى محاولة محاكاة تجربة اللقاء به ؟! ومن الحقائق الغير قابلة للتغيير هي أننا محرومون من نعمة وجود محمد، ولكننا ما زال يمكننا أن نستفيد من هذا الكتاب المعجز الذي أحضره لنا، والذي وفقا للكتاب ذاته نزل ليهدي ذوي الوعي.

۱۱: القرآن يوافق العلماء!

وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُ‌وا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ‌ مِن كُلِّ فِرْ‌قَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُ‌وا قَوْمَهُمْ إِذَا رَ‌جَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُ‌ونَ ﴿۹:١٢٢

ويقول العلماء أن هذه الآية تمنع كل المسلمين من مغادرة معيشتهم ليتعلموا الدين؛ وبدلا من ذلك تقترح أن مجموعة صغيرة من الناس يسعون إلى تعلم الدين واكتساب فهم أعمق له، والعودة إلى عشيرتهم، وتحذيرهم وفقاً لما فهموه. ثم يستنتج العلماء إلى أن القرآن نفسه أوصي بإنشاء مجتمع باحث في المجتمع الديني. ثم يختتم العلماء بأن القرآن نفسه يوصي بإنشاء مجتمع من الباحثين في المجتمع الديني.
رداً على ذلك، ينبغي علينا أن نؤكد أن الإسلام البسيط ليس به شيئاً يتعارض مع منهاج أن بعض المجموعات من الناس يقضون مزيداً من الوقت في البحث في شؤون الدين ثم يشاركون استنتاجاتهم مع غيرهم من المسلمين. والاختلاف هنا هو أن كل مسلم يجب أن يكون قادراً على التحقق من النتائج المقدمة في القرآن وأن يقرر ما إذا كانت نتائج البحث معقولة أم لا. فإذا ما كانت الحجج تبنى على القرآن والفطرة السليمة، ثم تستفيد من نتائج أبحاث الباحثين الدينين، فإننا لسنا في حاجة إلى الوثوق بهم وبمهاراتهم وبأمانتهم لأنه يمكننا أن نتحقق من النتائج متحررين من الشخص الذي يقدمها. على أي حال هذا المنهاج لا ينطبق على كومة من الأحاديث، فإذا أسس الباحث حجته على حديث معين قائلاً إنه يرى صحة الحديث، فإنه ليس ممكناً لنا أن نتحقق من حجته إلا إذا قضينا أولاً سنوات في دراسة مهارات فقه الحديث ، أي أصبحنا علماء. إن النقطة الرئيسية التي تميز بين الشيوخ (العلماء) والباحثين الدينين هي أن الشيوخ يبنون حججهم على المصادر التي لا يمكن للمسلمين العاديين، نظراً لجدولهم الزمني المحدود، أن يتحققوا منها وأن العلاقة بين المسلم والشيخ تصبح وبشكل طبيعي مجرد إتباع أعمى.

۱۲: الحديث لشرح تفاصيل الصلاة

حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ ﴿۲:٢٣٨﴾ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِ‌جَالًا أَوْ رُ‌كْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُ‌وا اللَّـهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴿۲:٢٣٩

يقدم بعض العلماء (وليس الكل) تفسيراً آخر لهذه الآيات، التي تقول: "فإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (239)" ، ويقولون أن هذه الآية تشير إلى طريقة خاصة لإقامة الصلاة التي سبق تعليمها للمؤمنين، بينما لم يتم شرح هذه الطريقة المعينة في القرآن. ثم يستنتج العلماء أن من الطبيعي أن يفترض القرآن أن هذه الطريقة المعينة للصلاة تنتقل إلى المسلمين في القرون المقبلة، ويكون الحديث واحداً من هذه القنوات.

الجواب المختصر هو أن يأتي تفسير العلماء من اثنين من الترجمات الغير متناسقة في هذه الآية: أولاً، ترجمة الكلمة العربية " كَمَا "، والتي تعني أن المسلمين ينبغي أن يذكروا الله كما تعلموا من قبل. إلا أن ترجمة "لأن" تجعلها أكثر عقلانية هنا مما يعني أن المسلمين يجب أن يذكروا الله لأنه علمهم ما لا يعرفون. ثانيا، الفعل العربي "اذْكُرُواْ" يشير إلى ذكر الله وليس الصلاة نفسها وترجمتها إلى "للصلاة" أو "لذكره في الصلاة" هو تغيير لكلمات القرآن. ونشرح كل منهما بالتفصيل أدناه.

يبدو أيضاً في الآية التي نناقشها، ترجمة "کما" تكون "لأن". وكحجة داعمة لهذه الترجمة، يمكننا أن نلقي نظرة على الطريقة التي تستخدم بها كلمات مشابهة لكلمة " كَمَا " وكلمة " عَلَّمَهُ " في الآية 282 من سورة البقرة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّـهُ ۚ ... ﴿۲:٢٨٢

هنا "کما" تعني "لأن" لأنه من غير المعقول أن نعتقد أن الكتابة لها طريقة معينة واحدة والتي نزلت على الجنس البشري. بالأحرى تقول الآية أن كل شخص قادراً على الكتابة ينبغي عليه أن يعرض مهارته لأن الله (بشكل غير مباشر) قد علمه ذلك أيضاً. وبالنظر إلى التشابه بين العبارات المستخدمة في هاتين الآيتين، يمكننا تطبيق نفس الترجمة على الآية 239 من سورة البقرة:

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِ‌جَالًا أَوْ رُ‌كْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُ‌وا اللَّـهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴿۲:٢٣٩

بالمثل تعليم كيفية الكتابة، فليس هناك من سبب لترجمة هذه الآية باعتبارها وسيلة معينة تم الكشف عنها بالوحي. ومع هذه الترجمة، فإن حالة الارتباك بأن هناك طريقة خاصة جداً للذكر والتي يشير إليها القرآن لن تنشأ.

النقطة الثانية الجديرة بالذكر هي أن القرآن يستخدم الكلمة العربية "صلی" للاشارة الى الصلاة وليس كلمة "ذکر" والتي تستخدم في الآية التي نناقشها. وعلى الرغم من أن بعض المترجمين عادة يستخدمون هذه الكلمات بالتبادل، والذي قد يسبب أيضاً الارتباك في هذه الآية، ويميز القرآن نفسه بين هذين المصطلحين (يصلي ويذكر) في هذه النقطة بأن الاسم "ذکر" (يذكر) والغرض "صلی "(يصلي). والمثال المؤيد لذلك الآية 14 من سورة طه:

إِنَّنِي أَنَا اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِ‌ي ﴿۲۰:١٤

ولكن هذا هو المعقول في منتصف ميدان المعركة، حيث يوجد الكثير من التشتت، فليس علينا أن نتوقع الكثير من التركيز والذكر في الصلاة. ويمكن للمرء أن يقول أن الآية 239 من سورة البقرة تلمح إلى القيام ب "الذكر"، والذي يعتبر الغرض الرئيسي من الصلاة، في وقت لاحق عندما يشعرون بالأمان.
وعلاوة على ذلك، فإن الموضع الوحيد الآخر في القرآن والذي تستخدم فيه العبارة " وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ" هو الآية 151 من سورة البقرة:

﴾ كَمَا أَرْ‌سَلْنَا فِيكُمْ رَ‌سُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴿۲:١٥١

والذي استمر فوراً بتقديم النصح بذكر الله.

فَاذْكُرُ‌ونِي أَذْكُرْ‌كُمْ وَاشْكُرُ‌وا لِي وَلَا تَكْفُرُ‌ونِ ﴿۲:١٥٢

والذي يعرض هذا الفهم بأن أحد الدوافع لذكر الله ينبغي أن تكون الأشياء التي علمنا إياها. ويمكننا الاستفادة من هذه النقطة في فهم الآية 239 من سورة البقرة: إن أحد دوافع ذكر الله هي أنها مصحوبة بتوصية لعمل ذلك: " فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ". وبعبارة أخرى، فإن التعبير القوي جداً: " وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ" يشير إلى مسألة الذكر الهامة جداً، وليس لطرق الصلاة المختلفة (رجالاً، أو ركباناً، ...).

۱۳: يأمرنا القرآن بسؤال العلماء!

وَمَا أَرْ‌سَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِ‌جَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۖ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ‌ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿۲۱:٧

يستخدم العلماء الجزء الثاني من هذه الآية ليقولوا أن القرآن يأمر المسلمين أن يسألوا الرسل عن الأمور الدينية، وفي مجتمعنا الحالي يمكن للشيوخ (للعلماء) أن يقوموا بهذا الدور.

يمكن لأي جملة أن يساء ترجمتها إذا أخرجت عن سياقها. فعند ترجمة آيات القرآن فمن المستحسن أيضاً أن نضع في الاعتبار الآيات السابقة واللاحقة، لكي نفهم أولاً السياق ايضاً. وتصبح مشكلة الترجمة الخارجة عن السياق أكثر حدة بكثير إذا ما أخذنا عبارة من آية وترجمناها على حدة! فعند ترجمة هذه الآية أيضاً، لا ينبغي علينا أن نتجاهل الجزء الأول من الآية الذي يبين الفاعل في الآية عن الحقيقة بأن الأنبياء السابقيين أيضاً كانوا بشراً بسطاء مع الفرق أنهم كانوا يتلقون الوحي. وتقول أيضاً العبارة الثانية من الآية أنه إذا كنت غير مدرك لهذه الحقيقة، يمكنك أن تسأل الرسل. إن التوسع في التوصيات بالسؤال عن الأنبياء السابقين إذا ما كانوا بشراً بسطاء مقارنة بالطريقة المعقدة جداً لتخريج الحديث لاكتشاف تفاصيل التقاليد الدينية (المفقودة!) يعتبر شيء صعب جداً جداً القيام به، إن لم يكن مستحيلاً.

الترجمة من قبل: سام لویس
 

No comments:

Post a Comment